طريقة حبس الجن الطيار
أفضل الطرق لحبس الجن الطيار ، أو المنع من خروجه وإذا كان بعض القراء يقول بربط أصابع اليدين والرجلين ، فهو سوف يخرج بمجرد أن تربطه نظرا لخفته .
النحو التالي : ما هو الجن الطيار
بعض الأرواح التي تصيب الإنسان بالصرع قد تكون من النوع ( الطيار ) التي تتحكم بطريقة غريبة في دخول الجسد والخروج منه ، خاصة إذا علم أن المريض سوف يتعرض للرقية الشرعية ، ولهذا النوع خاصية السرعة والسهولة لفعل ذلك ، ومن هنا ترى أن بعض المعالِجين يلجأ للطلب من أهل المريض القيام بربط أصابع القدمين واليدين لمنع خروج الجني في حالة إحضاره للرقية ، وقد ثبت نفع استخدام هذا الأسلوب بالتجربة مع بعض الحالات المرضية ، وقد لا ينفع استخدامه مع بعض الحالات الأخرى ، ويبقى الأمر خاضعا للاستقراء والتجربة العملية ، ولا حرج من الناحية الشرعية بفعله لكونه لا يتعلق ولا يرتبط بمسائل وأحكام شرعية
وقد وقفت على كلام أورده الإمام السيوطي نقلا عن ابن الجوزي ينقل فيه كلاما قريبا من ذلك حيث يقول :
( قال ابن الجوزي : يؤخذ له جلد يحمور فيشد به إبهاما المصاب من يديه شدا وثيقا ) ( لقط المرجان في أحكام الجان – ص 165 )
ربط الجني الطيار وحبسه ومنعه نم الهرب
قلت : تعقيبا على كلام العلامة ( ابن الجوزي ) – رحمه الله – بخصوص ربط إبهام المصاب بـ ( جلد يحمور ) الأولى عدم فعل ذلك وتخصيص هذا النوع دون غيره في العلاج ، خوفا من ترسيخ اعتقادات عند العامة والخاصة بحيث يعتقد في هذه الكيفية وهذا النوع ، ولا بد من إيضاح أن المسألة برمتها تعتمد على خبرة الحاذقين والمتمرسين في هذا العلم ، وأن هذا الاستخدام وبهذه الكيفية يعتبر وسيلة حسية مباحة في العلاج والاستشفاء بإذن الله سبحانه وتعالى .سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن لجوء بعض المعالِجين للطلب من ذوي المريض وأقربائه بربط أصابع اليدين أو القدمين حال إحضار المريض للمعالِج ، وذلك لعدم استطاعة الجني الصارع من الهروب ، خاصة إذا كان من النوع الطيار ، وقد نفع استخدام هذا الأسلوب مع بعض الحالات ، فهل يجوز استخدام ذلك في العلاج ؟؟؟
فأجاب – حفظه الله - : ( يجوز ربط أصابع يدي المصروع وأصابع رجليه بخيط أو سلك قوي ونحوه حال القراءة عليه ومخاطبة الجن ، وذلك أن الجان لا يخرج غالبا إلا من رؤوس الأصابع ، فالراقي يقصد بربط الأصابع تعذيب الجان أو تأليمه إما بالضرب والصفع ونحوه ، أو بالقراءة عليه والرقية التي يتألم بها وقد يموت معها ، ولهذا يسمع له صياح وأصوات شديدة عند الرقية والتعذيب ، فيتمنى الخروج ولا يقدر ، ويعذبونه بدخان النار أو برائحة الكبريت الأبيض الحجري بإلقائه في النار فيتقد ويخرج له رائحة قوية ، يتألم منها الجان ، فمتى أكدوا عليه أن لا يعود أبدا حلوا رباط أحد الأصابع فخرج منه وهم يسمعون صوته عند الخروج ، فيقوم المصروع سليما ولا يشعر بما حصل والله أعلم ) ( منهج الشرع في علاج المس والصرع ) .
قلت : تعقيبا على فتوى فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله - ( ذكر فضيلته عن استخدام بعض المعالِجين لأساليب معينة في تعذيب الجني الصارع ومنها تعذيبه بدخان النار أو استخدام رائحة الكبريت الأبيض وكل ذلك يدخل ضمن الأسباب الحسية المباحة ، فعالم الجن له ناموسه الخاص به وقد يتأثر الجن والشياطين من جراء استخدامات معينة كاستخدام الحلتيت وبعض أنواع السعوط ونحو ذلك من أمور خاضعة للتجربة والاستقراء ، وكل ذلك يدخل ضمن نطاق الاستخدامات المباحة مع توفر الشروط والضوابط التي لا بد من توفرها لاعتبار تلك الاستخدامات ضمن النطاق الحسي المباح ، ويفضل عادة الاسترشاد بأقوال أهل العلم بخصوص تلك الاستخدامات ، مع إيضاح مسألة هامة تتعلق بكافة ما ذكر وهي عدم مغالاة المعالِج باستخدام كافة الطرق المشار إليها والتركيز على الرقية الشرعية والاستخدامات التي جاءت بها السنة المطهرة كاستخدام العسل والحليب والحبة السوداء وماء زمزم ونحو ذلك من أمور أخرى
كما ذكرت في كتابي الموسوم ( منهج الشرع في علاج المس والصرع ) تحت عنوان ( الاقتران الكلي العارض ( المس الكلي العارض ) الآتي :
ويلاحظ في هذا النوع من الاقتران تواجد للأرواح الخبيثة بشكل مستمر ودائم ، وبحصول القراءة على المصروع ورقيته بالرقية الشرعية ، يفر الشيطان لحين الانتهاء من الرقية ، ويعود ثانية وهكذا ، وقد يكون هذا الصنف أحد الأصناف الثلاثة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - حيث قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( الجن ثلاثة أصناف ، فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء ، وصنف حيات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون ) ( صحيح الجامع 3114 ) ،
ويعتقد أن هذا الصنف يندرج تحت النوع الأول وهم ( الذين يطيرون ) ، وقد حبى الله سبحانه وتعالى هذا الصنف بهذه الخاصية دون غيره من الأصناف الأخرى ، وله خصائص إضافية أخرى ومنها القدرة الفائقة على تلبس الجسد ومفارقته بسرعة مذهلة بإذن الله تعالى ، وهذا مشاهد محسوس عند المعالجين المتمرسين بالرقية الشرعية ، وهذا ما يطلق عليه العامة ( بالطيار ) والله تعالى أعلم .
ويعتقد البعض أن الرقية الشرعية لا تجدي مع هذا النوع ، ولن يكون لها أية آثار أو نتائج إيجابية ، وهذا اعتقاد خاطئ ، فالرقية تحصن الإنسان وتضعف الشيطان مهما كانت قوته وجبروته ، ولا بد من توخي المريض في هذه الحالة ، اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى واتخاذ كافة السبل والوسائل الشرعية الكفيلة برد كيد عدوه والانتصار عليه . انتهى .
ومن هنا أحب أن أوضح لأخي الحبيب ( ) بعض النقاط الهامة التي تتعلق بهذا الموضوع وهيَّ على النحو التالي :
أولاً : بالعموم ثبت لنا دخول الجني الطيار بدن الانسي والاقتران به وصرعه
، فالأدلة النقلية الصريحة الصحيحة تثبت هذا الأمر بعمومه ، أما الكيفية التي ينفذ بها الجني الصارع إلى الجسد فلا نستطيع الإجابة عليها أو الخوض فيها لأنها تبقى بالنسبة لنا ضمن نطاق الغيب والأولى التوقف عنها دون البحث والتقصي فيها من قريب أو بعيد ، والأمثلة كثيرة على ذلك ومنها وجود الجني في بدن الإنسي وكيفية ذلك ، وكيف يتنفس وكيف يعيش ، وكل ذلك ينطبق عليه الحكم والوصف المشار إليه أعلاه .ثانياً : لا بد من العلم اليقيني بأن أمور الرقية الشرعية أمور توقيفية تعبدية ، فإن كان الحديث يتعلق بأساسيات الرقية الشرعية فلا بد من الدليل الذي يؤكد ما يذهب إليه المعالج في طريقته واستدلاله وعلاجه ، وهذه لا نختلف عليها مطلقاً ، فالرقية : هيَّ العوذة ، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : الرقية : هيَّ الدعاء للمريض بنية الشفاء ، والمفترض أن يتبع المعالج المنهج النبوي في الدعاء للوصول إلى الشفاء المنشود بإذن الله عز وجل .
ثالثاً : لا بد أن نفرق بين الأسباب الشرعية في الاستشفاء والعلاج وهيّ ما أثبتنا قطعاً أنها أمور توقيفية تعبدية لا يجوز الإخلال بأي جزئية من جزئياتها ، وبين الأسباب الحسية المتعلقة في العلاج والاستشفاء ، ومنها الأمور المستخدمة في العلاج وطريقة التعامل مع عالم الجن والشياطين ، واعتبار أن ( الجن الطيار ) بناء على الخبرة والممارسة هو ذلك الجني الذي يتمتع بخاصية الدخول والخروج بيسر وسهولة ، والحديث لا يشمل مسألة التحصين وحفظ الله سبحانه وتعالى ، فالحديث عام وشامل ، ولا زلت أقول بأن الرقية والتحصن وقراءة القرآن والمحافظة على الذكر والدعاء والاقبال على الطاعات والبعد عن المعاصي من أقوى وأنفع الأسباب التي يتحصن بها العبد من شياطين الإنس والجن ونحن متفقون على ذلك بلا خلاف ، إنما الذي أعنيه تحت هذا العنوان هو عام وشامل .
ثالثاً : لا ننكر مطلقاً الخبرة والتجربة في المسائل الحسية المتعلقة بالتعامل مع عالم الجن والشياطين بشكل عام والرقية الشرعية بشكل خاص .
ومن هنا يتبين لنا جواز التعامل مع هذا العالم بضوابطه الشرعية ، ومن هنا فإني أعرض ما ذكره علماء الأمة الأجلاء بخصوص التجربة في الوتاقع الحسي وأثرها في الحياة العملية :
* قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( قال المازري : هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل ، فلا يرد لكونه لا يعقل معناه ، وقال ابن العربي : " إن توقف فيه متشرع قلنا له : الله ورسوله أعلم ، وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة " ) ( فتح الباري – 10 / 215 ) .
يقول – رحمه الله - عن أنواع الطب : ( والطب نوعان : طب جسد ، وهو المراد هنا ، وطب قلب ، ومعالجته خاصة بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه وتعالى . وأما طب الجسد فمنه بما جاء به الرسول عن ربه سبحانه وتعالى . وأما طب الجسد فمنه ما جاء في المنقول عنه ، ومنه ما جاء عن غيره ، وغالبه راجع إلى التجربة . ثم هو نوعان : لا يحتاج إلى فكر ونظر ، بل فطر الله على معرفته الحيوانات مثل ما يدفع الجوع ، والعطش . ونوع يحتاج إلى الفكر والنظر كدفع ما يحدث في البدن مما يخرجه عن الاعتدال وهو إما إلى حرارة أو برودة ، وكل منهما – إما إلى رطوبة – أو يبوسة ، أو إلى ما يتركب منهما وغالب ما يقاوم الواحد منهما بضده . والدفع قد يقع من خارج البدن ، وقد يقع من داخله ، وهو أعسرهما .
والطريق إلى معرفته بتحقق السبب والعلامة ، فالطبيب الحاذق هو الذي يسعى في تفريق ما يضر بالبدن جمعه أو عكسه ، وفي تنقيص ما يضر بالبدن زيادته أو عكسه .
ومدار ذلك على ثلاثة أشياء : حفظ الصحة ، والاحتماء عن المؤذي ، واستفراغ المادة الفاسدة . وقد أشير إلى الثلاثة في القرآن الكريم ) ( فتح الباري – ص 134 ) .
تقول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء : ( وفي الواقع – تعني اللجنة بعض الاستخدامات في العلاج والاستشفاء - لا يكون عليها دليل واضح وإنما هي ظنون أو تخرصات أو تجارب ، فإذا كانت هذه التجربة تمنع من واجب أو توقع في محرم فلا تجوز ) ( هداية الأنام إلى فتاوى الرقى للأئمة الأعلام ) .
قلت : هذه قاعدة شرعية ينبغي أن ينتبه لها المعالجون كثيراً ، وبسبب عدم فهم القواعد الفقهية والقواعد الأصولية نرى اليوم ما نراه على الساحة من مخالفات وتجاوزات فاقت الوصف والتصور فإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله .
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين في صفة الغسل من العائن وصب مائه على المعين ، حيث قال بعض العلماء : إن الوعاء لا يوضع على الأرض حال الغسل أو بعده ، إنما يمسك باليد إلى نهاية الغسل ، ثم يصب على المعين من الخلف ، وممن أورد ذلك : ابن عبد البر في " التمهيد " ( 6 / 243 ) ، وابن حجر ... وغيرهما ، فما مستندهم الذي استندوا إليه في عدم وضع الإناء على الأرض ؟ وما صحة قولهم أيضاً : إن الإناء يكفى على الأرض ؟
فأجاب – حفظه الله - : ( لا أذكر دليلاً ، ولعله بالتجربة العملية ، وذلك أن الإصابة بالعين أمر خفي له خصائصه وصفاته ، فيعرف بالتجربة كيف يعالج ، وما ذكر من الصفات تعتبر أمثلة لما يُعالج به مع ما يماثلها ، والواقع أن تأثير العين يحدث في المعين في بدنه ، أو في بعض أجزاء بدنه ، وأنه يزول إذا برك العائن عليه ، وكذا إذا أخذ له من فضلاته ، حتى من ريقه أو بوله أو عرقه ، أو غسالة جزء من بدنه ، حتى ولو لم يعلم بذلك ، كما أن المشاهد عدم الاختصاص بما ذكر، بل يضعون الإناء على الأرض ، وقد يصبون عليه مراراً ، وقد يشرب منه جرعات فيبرأ بإذن الله ، ولو لم يستعمله إلا بعد حين ، كما أن من التجربة أن موت العائن سبب لبراءة المعين ، ولعل ذلك أن نفسه الحاقدة إذا انقصلت عن البدن بطل أثرها فيبرأ المعين في حينه ، ويعرف السبب في ذلك ) ( المنهل المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين ) .
وقد سئل فضيلته عن جواز استخدام أثر العائن على أي صفة كانت كالقهوة والماء ونحو ذلك لعلاج العين والحسد ؟؟؟
فأجاب – حفظه الله - : ( قد عرف بالتجربة المتبعة أن أثر العين تبطل باستعمال شيء مما مسه العائن كريقه وعرقه ودمعه ونحو ذلك ، فالناس عادة يغسلون ما مسه كحذائه الذي يلي قدمه ، وثوبه الذي يلي جسده وداخله إزاره وفضل وضوئه وغسالة يديه وشعر بدنه وأظافره ونحوها ، فيشرب منه المعين أو يغتسل به فيبرأ بإذن الله تعالى ، وقد دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " وإذا استغسلتم فاغسلوا " ( السلسلة الصحيحة 1252 ) وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عامر بن ربيعه لما أصاب سهل بن حنيف فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخله إزاره في قدح ثم صب عليه فراح مع الناس ، أخرجه مالك في الموطأ فهذا من باب العلاج والله الشافي ) ( المنهل المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين ).
وقال – حفظه الله - : ( نعم كل ذلك صحيح ونافع بالتجربة ، وكذا غسل ثوبه الذي يلاصق بدنه أو يعرق فيه ، أو غسل رجليه أو يديه لعموم " وإذا استغسلتم فاغسلوا " ( السلسلة الصحيحة 1252 ) ، فهو يعم غسل البدن كله ، أو غسل بعض البدن ، وحيث جرب أن أخذ شيء من أثره يفيد ، فإن ذلك جائز كغسل نعله الذي يلبسه ، أو جوربه الذي يباشر جلده ، لأمره في الحديث بغسل داخله إزاره ، أي الذي يلي جسده ، وكذا ما مست يداه من عصى أو قفاز ، وكذا فضل وضوئه الذي اغترف منه ، أو ما لفظه من النوى ، أو تعرق من عظم أو نحو ذلك ، وهذا بحسب التجربة ، وقد يصيب بإذن الله ، وقد يستعصي ذلك بحسب قوة نفس العائن وضعفها ، ولكن بعض الناس يتوهم كل إصابة وكل مرض حصل له فهو من العين ، ويتهم من لا يُتهم ، ويأخذ من فضلاته فلا يرى تأثراُ ، وذلك مما لا أصل له ، والواجب أن يعتقد أن الأمراض كلها بقدر الله تعالى ، وأن كثيراً من الأمراض تحصل بدون سبب ، وأن علاجها بما يناسبها من العلاج المباح ، والله أعلم ) ( المنهل المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين ) .
وأذكر كلاما جميلا يتعلق للشيخ الفاضل عبدالله السدحان بخصوص تجارب المعالج حيث يقول : ( الراقي حين يرقي تكون له تجارب في مجال القراءة ينفع الله بها الناس ، وذلك أن الراقي استخدم عقله وتجربته وعرضها على علماء الشرع فأقروه على ذلك وبخاصة إذا لم يجد نصا شرعيا في المسألة , والتجربة أكبر برهان - كما يقال - فرب علم أو حكمة ينشدها كبار الناس وعلماؤهم من زوايا تفكيرهم فلا يتضح الحق إلا في زاوية رجل مغمور ، أطلق لفكره العنان ، ففتح الله عليه فواتح علمه ، والحجر على ذوي الرأي وحرية التفكير فيما لا نص فيه تجعل النظر ضيقا ، وهذا ما أراده فرعون مصر حين قال : ( مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ ) ( سورة غافر – الآية 29 ) فعطل فيهم ملكة الرأي ، وجعلها حكرا على فهمه السقيم ، فأهلك نفسه وقومه , وعكسه في ذلك بلقيس وهي امرأة وكان الحق معها لما قالت : ( يَاأَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِى فِى أَمْرى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ) ( سورة النمل – جزء من الآية 32 ) فأنقذت نفسها وقومها و فكل إنسان له شخصيته المستقلة فإذا حافظ على هذا الاستقلال دون محاكاة للغير وذوبان هذه الشخصية وتقليد لبعض ذوي الشهرة من العلماء والوجهاء في حركاتهم وأصواتهم ومظاهرهم فقد مضى على سنة الله ) ( قواعد الرقية الشرعية – ص 47 ، 48 ) ,
قلت : وما قصده الشيخ الفاضل في طرحه لقضية التجارب العملية ، تلك المتعلقة بالأسباب الحسية فقط والتي ثبت نفعها بإذن الله تعالى وأصبحت أسبابا حسية للعلاج والاستشفاء ، أما الأسباب الشرعية فلا بد أن يثبت بها نص من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ودون ذلك يعتبر استخدام تلك الأمور من قبيل البدعة التي تختلف باختلاف نوعها ومضمونها وأسلوبها ,
رابعاً : نرى أن العلماء قد فتحوا باب الاجتهاد في نطاق محدود ومقبول بحيث لا يتعارض ذلك مع قاعدة شرعية تنص على الآتي : ( فإذا كانت هذه التجربة تمنع من واجب أو توقع في محرم فلا تجوز ) ، ولا زال الحديث يتعلق بالمسائل الحسية ، فانظر يا رعاك الله ماذا يقول العلامة الشيخ عطية محمد سالم – رحمه الله – بخصوص أخذ العهد والموثق على الجني الصارع : ( بمناسبة ذكر المواثيق على الهوام ، أخذها عليهم نبي الله سليمان شاهدت إنسانا يقرأ على من بهم لمم وكانت امرأة قوية جسيمة وكان بينهما شبه المضاربة وتسمع صوت رجل على لسانها,,, فلما أكثر عليه من الضرب والقراءة قال المتحدث على لسانها : ** لي لأخرج ، فيقول له تكذب : فيقسم له بالله أنه يخرج ولا يعود إليها ، فإذا بالرجل يقول أعطني الميثاق ، وقل : والذي فلق البحر لموسى ، فيرد عليه ويقول أقسمت لك بالله ، فيقول له ونعم بالله ، ولكن لا بد من الميثاق ، فسمعته ينطق به ، وكانت المرأة مربوطة أصابع الإبهام الأربعة منها بخيط من الصوف ، فطلب منه أن يفك عن إبهام يدها اليمنى فأبى عليه وقال : لم أفك عنك إلا إبهام قدمها ، وفعلا فكه وبعد لحظة فإذا بتلك المرأة القوية عنيفة الحركة ، تخمد ولا حراك بها ، فأمر أخاها وكان حاضرا أن ينتظر عليها حتى تفوق,, فسألت هذا الرجل ولماذا لم يكتف بعهد الله وطلب ما أسماه الميثاق ، والذي فلق البحر لموسى ، فقال : إنهم أي الجن لا يرون عليهم التزاما بمثل هذا العهد ، فإنه يفي به برهم وفاجرهم ,, وها نحن الآن نجد عهودا أخذها نبي الله سليمان على الهوام ,,,) ( العين والرقية والاستشفاء من القرآن والسنة – ص 70 – 71 ) .
وهذا مثل والأمثلة كثيرة جداً على ذلك .
خامساً : لا زلت أركز وأوكد لأخي الحبيب ( ) بصفة خاصة ، وأعضاء المنتدى الطيبب بصفة عامة أن هذه المسألة مبنية على الاجتهاد ليس إلا ، وهيَّ قابلة للصواب والخطأ ، ولا زلت أذكِّر بحديث أبو ثعلبة الخُشني – رضي الله عنه – والذي ذكرته في معرض إيضاحي وبياني لهذه النقطة ، والمسألة اجتهاد مبنيٌّ على واقع الخبرة والتجربة والممارسة والتي عشتها وعايشتها مع المرضى ، والله تعالى أعلم .
وأخيراً : بعد كل ما ذكرت فإني لا أختلف مع الأخ الحبيب ( ) بخصوص هذه المسألة ولكَ كامل الحق أخي الحبيب أن تتوقف فيها وأن لا توافقني الرأي ، ولكن ليس لكَ الحق مطلقاً أن تمنع خيراً عظيماً وعلماً واسعاً وهبكَ الله إياه في الرقية ومسالكها ودروبها ، والخلاف وارد في المسائل الاجتهادية وسنة الله باقية في ذلك إلى أن يرفع القرآن من الصدور ، ولو أن الخلاف المذكور قعد بالعلماء وطلبة العلم والدعاة لما رأينا ما رأينا من علم زاخر واسع ننهل من معينه ونرتوي من ماءه العذب .
( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما اختلفوا فيه من الحق ، فاهدنا لما اختلف فيه بإذنك ، انك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) .
تلك أمانة أخي الحبيب وهذا علم زاخر فلا تحرم الناس ممن يحتاجون علمك ، واعلم بأن الدين هو حجة على الناس وليس الناس حجة على الدين ، وقولي يحتمل الصواب والخطأ ، فما أصبت فمن الله وحده ، وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان ، والله روسوله بريئان .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
تعليقات
إرسال تعليق